هذا مقام الشیاطین، بل ولاتجعلی نصب عینک صورة النسک و قشورها، ولا اعتدال الخُلق و جُودتها، ولا الفلسفة الکلّیة والمفاهیم المبهمة، ولا تنسیق کلمات أرباب التصوّف والعرفان القشریة وتنظیمها، و إرعاد أهل الخرقة و إبراقها، فانّ کلّ ذلک حجاب فی حجاب وظلمات بعضها فوق بعض، و صرف الهمّ إلیها اخترام و هلاک، و ذلک خسران مبین وحرمان ابدی و ظلمات لا نهایة لها؛ بل یکون همّک التوجّه إلی الله تعالی و إلی ملکوته فی کلّ حرکاتک و سکناتک و أنظارک و أفکارک؛ فإنّک مسافر إلی الله تعالی ولایمکن لک هذه المسافرة بقدم النفس بل لابدّ و أن یکون بقدم الله و رسوله؛ فإنّ المهاجرة من بیت النفس لایمکن بقدمها. فکلّما کان قدمک قدم النفس، ما خرجت بعدُ من بیتک، فلست مسافراً؛ وقد عرفت أنّک غریب مسافر.
وهذه وصیّتی إلی نفسی القاسیة المظلمة البطّالة و إلی صاحبی الموفّق ذی الفکر الثاقب فی العلوم الظاهرة والباطنة والنظر الدقیق فی المعارف الالهیة، العالم الفاضل النقّاد والروحانی الآقا میرزا جواد الهمدانی - بلّغه الله غایة الأمانی - فإنّی ولعَمر الحبیب مع أنّه لستُ من أهل العلم وطلّابه قد ألقیت إلیه ما عندی من مهمّات اصول الفلسفة الالهیة المتعالیة، و شطراً ممّا استفدت من المشایخ العظام - أدام الله ظلّهم - و کتب أرباب المعرفة و أصحاب القلوب - رضوان الله علیهم - و قد بلغ بحمد الله تعالی مرتبة العلم والعرفان وسلک مسلک العقل والإیمان، وهو سلَّمه الله لطیف السّر والقریحة، نقیّ القلب، سلیم الفطرة، جَیِّد الرَویّة، متردّی برداء العلم والسداد وعلی الله التوکّل فی المبدأ والمعاد.
ولقد اوُصیه بما وصّانا أساطین الحکمة والمشایخ العظام من أرباب المعرفة أن یضنّ بأسرار المعارف کلَّ الضَنّ علی غیر أهله من ذوی الجحد والاعتساف، والضالّین عن طریق الحقّ والانصاف؛ فإنّ هؤلاء السُّفَهاء قرائحهم مُظلمة، وعقولهم مُکدّرة، ولا یزیدهم العلم والحکمة إلّا جهالة وضلالة، ولا المعارف الحقّة إلّا خسراناً و حیرة، وقد قال تعالی شأنه: وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَ رَحْمَةٌ ... وَلا یَزِیدُ الظّالِمِینَ الّا خَسَاراً.
و إیّاک ثمّ إیّاک أیّها الأخ الروحانی والصدیق العقلانی و هذه الأشباح المنکوسة المُدَّعون للتمدُّن والتجدُّد، وهم الحُمُر المُسْتَنْفَرة والسِّباع المفترسة والشیاطین فی صورة الإنسان، و هم أضلّ من الحیوان، و أرذل من الشیطان، وبینهم - ولَعَمْرِ الحقیقة - والتمدّن بونٌ بعید؛ إن استشرقوا
صحیفه امام خمینی
Rouhollah Website is licensed under a Creative Commons Attribution 4.0 International License. <Rouhollah Website/>